حتى إعداد هذا البيان... الرقص الشرقي في خطر!!!

رغم أن الهوّاية كانت تدور كالمجنونة في صالة البيت، إلا أن الإحساس برطوبة المكان وحرارة الجو كانت أقوى من دفعات الهواء الساخنة، التي لا تزيد الجالسين إلا صداعاً، لكن الشيء الذي يفلق الرأس بحق، ذلك التلفزيون المنافق الملعون الذي بضغطة واحدة ينقلب من قراءة القرآن إلى الرقص!!، مما يحدث صراعاً داخلياً في البيت، منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة، ويشتبك الأولاد كل يوم على منظم التلفزيون، من يتحكم في قلب المحطات.
قال عبد الرحمن: إقلب هذه المهزلة ، بالله عليك ألا تستحي أن تجلس أمام راقصة تتحدث عن بطولاتها الخاصة؟! قال: دعني وشأني، ألم أتركك مع محطتك المفضلة طيلة ساعة كاملة؟! قال: بلى، ولكن كنا نسمع كلاماً له معنى ، قال: استمع لها ولا تستهتر، فلعل في كلامها ما يفيدك، لماذا تريد أن تجعل العالم كله على مقاسك؟!
كانت الراقصة تجلس أمام المذيع بوقاحة عين، وتتكلم بطلاقة لسان، وكان المذيع يتودد إليها في أسئلة تحمل في طياتها احتراماً واضحاً للرقص تحت مصطلح الفن، مما شجعها على التنظير للرقص الشرقي، معتبرة إياه جزءاً لا يتجزأ من تراثنا وثقافتنا، ولم تتح للمذيع أن يسألها عن كيفية توظيف الرقص في الصراع الدائر بيننا وبين العدو الصهيوني ، فأكدت أنها قاطعت أية حفلات إسرائيلية، ورفضت كل الإغراءات للرقص في تل أبيب، فهي صاحبة مبادئ ، وشرفها يمنعها من الرقص أمام العدو الذي يقتل الشعب الفلسطيني.
كادت عيون المذيع تنفجر بالدموع لهول إعجابه بما يسمع ، فسألها عن رحلتها الأخيرة إلى أمريكا، فأجابت بأنها قدمت هناك مجموعة من الرقصات الشرقية أمام الجاليات العربية وأصدقاء العرب ، وحظيت بإعجاب الكثيرين الذين أبدوا رغبتهم في العودة إلى الوطن، والاستثمار فيه، طالما أن الأمر في الوطن على هذه الشاكلة.
قال المذيع : إذن أنت تساهمين في إنعاش الاقتصاد الوطني، وفي تكريس الوحدة الوطنية. قالت: نعم، ولكن للأسف هناك حرب شعواء تشن على الرقص الشرقي!! انتفض المذيع متساءلاً: أرجو توضيح الأمر، من هؤلاء المتآمرون؟! قالت: ستستغرب إذا قلت لك أن أطراف المؤامرة هو شارون، الذي يسعى لإحلال الرقص الغربي محل الرقص الشرقي، والإسلاميون الذين يسعون لضرب الرقص الشرقي، ويسهّلون مهمة شارون الإجرامية لضرب إنجازاتنا الثقافية، والوطنية.
أبدى المذيع تخوفاته من كلام الراقصة النجمة ، وتساءل عن الطريقة التي يمكن التصدي بها لهذه المؤامرة ، فضحكت ، وهزت وسطها على الكرسي، وقالت: المزيد من الرقص الشرقي والمزيد من تدريب الراقصات ، حتى يفهم شارون أن الأمة العربية أمة متمسكة بتراثها، وحتى يفهم المتشددون الظلاميون المتآمرون مع شارون أن الرقص الشرقي أقوى من مؤامراتهم!!
لم يطق عبد الرحمن هذا الانحطاط الذي يمارسه التلفزيون فهجم على المنظم ليغلق التلفزيون أو يقلب المحطة، قال له أخوه: ولماذا لا تخرج من البيت؟! قال: أتريد طردي من البيت من أجل راقصة؟ قال: أريدك خارج هذا البيت لأنك تريد أن تفرض فلسفتك علينا، أنت لا تؤمن بالوحدة، ولا تؤمن بالشراكة، أنت تريد كل شيء على مزاجك، قال عبد الرحمن : سامحك الله، تتهمني بهذه التهمة الكاذبة من أجل راقصة سافلة؟! ألا تخجل من دم الشهداء الذي يملأ تراب حارتنا، بل بيتنا؟! ألا تخجل من دماء أخيك؟! ودماء ابن عمك ودماء ابن اختك، أهذه هي الثقافة التي يجب أن نحارب بها شارون؟ ألا تدري أن شارون هو من ينفق على هذه الراقصة، وأنها ترعرعت في بيوت العار التي أسسها شارون؟! هل وصل بنا الأمر أن نُحشر بين خيارين لا ثالث لهما: خيار الرقص الشاروني الغربي، وخيار الرقص الشرقي وهز الوسط، وبيع العرض من أجل المال والاستثمار؟! خجل فتحي من كلام أخيه عبد الرحمن، وقام إلى التلفزيون ليغلقه، فابتسم عبد الرحمن وعانقه وهو يتحسس شعره. قال: أنا لا أريد أن أغلقه ، ولكن أريد أن أصححه لكي نظل أخوة ولكي لا تفرقنا ساقطة كهذه التي لا حياء لها، والتي تتحدث باسم الثقافة والوطن والاقتصاد والمصلحة الوطنية!!!.
قلب فتحي المحطة ، وإذا بمقابلة سياسية مع شخصية بارزة تتحدث عن مستقبل قطاع غزة بعد الانسحاب، و قد انفعل أثناء حديثه عن وحدانية السلطة، واستخلص من كل ما حدث وما يحدث أن شارون يسعى إلى تدمير السلطة، وأن حركة حماس تسعى من جهتها إلى تدميرها، وهذا يعني أن هناك مؤامرة بين شارون وحماس من أجل تدمير هذا الإنجاز الوطني.
نظر فتحي إلى وجه عبد الرحمن الذي التفت بدوره إلى أخيه ينظر إلى وجهه، وما أن وقعت عيناهما على بعضهما البعض حتى انفجرا بالضحك الشديد. قال فتحي: ما رأيك؟ قال عبد الرحمن: ما رأيك أنت؟ قال فتحي: نرجع إلى الراقصة، فنكمل اللقاء، ضحك عبد الرحمن وقال: الأفضل أن نغلق التلفاز الليلة وننام إلى الصبح، قال فتحي: الصباح رباح، قال: تصبح على خير، قال: تصبح على وطن نظيف!!

ليست هناك تعليقات:

موسوعة أروع و أفضل القصص